
+ يقدّم لنا ربّنا يسوع المسيح في حديثه الشيّق (مت6: 1-18) مفاهيم هامّة عن العبادة، تركّز على العلاقة الخاصّة مع الله الآب السماوي.. فالعبادة ليست فريضة بل هي علاقة حُبّ شخصيّة عميقة مع الله.. لذلك تتكرّر العبارة: أبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانيّة.. وكأنّ غاية الحياة المسيحيّة من سلوك وعبادة ونسكيّات هو الدخول إلى حضن الآب السماوي..!
+ يحذّرنا الربّ من ممارسة الصدَقة لأجل الناس: “لكي ينظروكم”.. وأيضًا من ممارستنا لها لأجل إشباع الذات.. “فلا تعرف شمالك (الأنا) ما تفعل يمينك”.. فاليمين تُشير إلى نعمة الله التي تعمل فينا، والشمال هي عمل “الأنا” التي هي أخطر عدوّ يتسلّل إلى العبادة والسلوك الصالح.. فيسيطر علينا الرياء الممتزج بالكبرياء، والرغبة في التكريم والمديح من الناس..!
+ نلاحظ أنّ الربّ لا يمنعنا من صُنع البِرّ أمام الناس، لكنّه يحذّرنا من أن نصنعه بغرض الظهور أمامهم.. فيكون الرياء مثل اللصّ الذي يسرق كلّ مجهودنا.. أمّا إن كان تركيزنا على الله، فهو بالتأكيد يعرف النيّات ويحاسب على أساسها..!
+ لا يحدّد لنا الربّ مواعيد للصلاة، ولا نصوص الليتورجيّات، تاركًا هذا للتدبير الكنسي بالروح القدس.. وإنما يقدّم لنا أساس العبادة، وهو الالتقاء بالآب السماوي في صلاة المخدع، التي التعب والعمق فيها هو العمود الفقري للحياة الروحيّة.. المهمّ أن تكون من القلب وموجّهة فقط لله، فهي حديث سرِّي مُغلَق بيننا وبينه..!
+ إن كان الله يعرف ما نطلبه قبل أن نسأله فما الحاجة للحديث معه فيما يعرفه؟ أي لماذا نصلّي طالبين ما هو يعلم أنّنا في حاجة إليه؟
الحقيقة أنّنا لا نُخبره بشيء لا يعلَمه، بل نحن نستغيث به ونتضرّع له، لكي يتدخّل وينقذنا.. نحن لسنا فقط نعرض الأمر، بل أيضًا نطلب الرحمة.
+ علاقتنا بالله هي علاقة حُبّ تتغذّى بالصلاة.. وبمواصلة الصلاة تزداد المعرفة، وينمو الإيمان، ويجري الفرح في القلب..
+ نحن نفرح بالتواصُل مع أبينا السماوي ومناجاته، وهو أيضًا يفرح بأن يدعونا أبناء حقيقيّين له بالتبنّي.. فهو يحبّنا في ابنه الكلمة الذي صار جسدًا، وصرنا بالمعموديّة مغروسين فيه (رو6) كأعضاء جسده..!
+ أبونا السماوي يُسَرّ بأن يهبنا مجد ملكوته (لو12: 32)؛ لأنّنا إن كُنّا أبناء فإنّنا ورثة، ورثة الله ووارثون مع المسيح (رو8: 17).. لذلك في كلّ مرّة نصلي ونقول: “أبانا الذي في السموات” نتذكّر ميراثنا السماوي.. ونقول أيضًا مع المزمور: الرب هو نصيب ميراثي وكأسي (مز15: 5 سبعينيّة)..!
+ أمّا عن الصوم، فإننا لا نصوم من أجل الطعام في ذاته، ولا لأجل الحرمان، إنّما لأجل ضبط النفس وانطلاق القلب إلى الحياة السماويّة.. فغاية الصوم هو نقاوة القلب، أو معاينة الله كأب يتقبّل حبّنا.. لهذا يبذل عدوّ الخير جهده أن يفسد هذا العمل خلال تسلّل حُبّ الظهور، والرغبة في مديح الناس لنا.. فينحرف بالقلب بعيدًا عن الله، ويصير الصوم عملاً شكليًّا بلا روح.
+ نلاحظ تركيز الربّ على كيفيّة العبادة وليس كمّها.. وارتباطها بالسماء وليس بالأرض.. بالآب السماوي وليس بالناس..!