
قتل أكثر من 300 مدني جراء المعارك الدامية المتواصلة منذ السبت بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الحليفان السابقان اللذان يحكمان البلاد منذ انقلاب 2021.
وطوال الأشهر الماضية، تابع 45 مليون سوداني بقلق المواجهة السياسية بين البرهان، قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة، ونائبه دقلو المعروف ب”حميدتي”.
– كيف انفجر الصراع؟ –
في أكتوبر 2021، نفّذ البرهان انقلابًا عسكريا أطاح خلاله بالمدنيين الذين كانوا يتقاسمون السلطة مع العسكر لإدارة مرحلة انتقالية تمّ الاتفاق عليها بعد فترة من الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019.
وتولّى البرهان رئاسة مجلس السيادة الحاكم، وكان دقلو نائبا له في مشهد وصفه الباحث المستقل حامد خلف الله لوكالة فرانس برس بأنه لم يكن سوى “زواج مصلحة”.
وتابع خلف الله “لم يكن تحالفا أو شراكة حقيقية. تعيّن عليهما ربط مصالحهما معا لمواجهة المدنيين كجبهة عسكرية موحدة”.
وعلى الرغم من ذلك، لم يدم التفاهم طويلا، إذ وصف حميدتي في فبراير انقلاب البرهان بأنه “خطأ” و”فتح الباب أمام عودة النظام القديم”، في إشارة الى أنصار عمر البشير.
وأتت هذه التصريحات بعد شهرين من توقيع البرهان وحميدتي على اتفاق إطاري ضمّ أطرافا مدنية تشمل قوى الحرية والتغيير التي قادت الاحتجاجات ضد البشير، كخطوة أولى في عملية سياسية كانت تهدف الى إنهاء الأزمة السياسية التي نتجت عن الانقلاب العسكري.
ووضع الاتفاق مبادئ توجيهية لعملية انتقالية من دون أي جداول زمنية، ما دفع منتقديه الى وصفه بأنه “غامض”.
وتعهّد المسؤولان العسكريان في الاتفاق بالخروج من السياسة بمجرد تكوين حكومة مدنية.
إلا أن الاتفاق السياسي اصطدم بعقبة ساهمت في توسيع الشقاق بين البرهان ودقلو، وهي مسألة دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي.
وترى المحللة خلود خير أن هذا الاتفاق الإطاري “زاد من التوتر بين البرهان وحميدتي”، مشيرة إلى أنه “دفع حميدتي إلى وضع مساوٍ للبرهان، بعد أن كان نائبه”.
ويقول مسؤول منطقة القرن الإفريقي في مجموعة الأزمات الدولية آلان بوزويل إن دقلو رأى في الاتفاق الإطاري فرصة ليكون “أكثر استقلالية عن الجيش”، ويحقّق “طموحاته السياسية الواسعة” التي تتجاوز الاستجابة لسلسلة الأوامر العسكرية المعتادة.
وتقول خير، مؤسسة مركز “كونفلونس ادفايزوري” للاستشارات في الخرطوم، إن “هذا التحول في السلطة هو سبب انتهاء المحادثات حول إصلاحات قطاع الأمن ودمج قوات الدعم السريع إلى نزاع مسلح بدلاً من نقاش ساخن حول الطاولة”.
– ما هي قوات الدعم السريع؟ –
ولدت قوات الدعم السريع في عام 2013 من رحم ميليشيا الجنجويد في إقليم دارفور وعُرفت بقمعها تمرّد القبائل غير العربية الذي اندلع احتجاجا على تهميش الإقليم اقتصاديًا في عهد البشير.
واتُهم عناصر الجنجويد بتنفيذ انتهاكات ضد الأقليات غير العربية وصفت بجرائم حرب.
كما وجّهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وإبادة في دارفور إلى البشير.
في العام 2015، نُشر أفراد من قوات الدعم السريع في اليمن كجزء من تحالف تقوده السعودية دعما للحكومة اليمنية ضد الحوثيين، ما عزّز صورة دقلو في المنطقة.
بعد الإطاحة بالبشير، اتُهمت قوات الدعم السريع بارتكاب مزيد من الجرائم، إذ كانت جزءا من الحملة الأمنية التي فرقت المعتصمين المدنيين في الاعتصام قرب مقرّ القيادة العامة للجيش في الخرطوم في يونيو 2019، للمطالبة بحكم مدني، وقُتل خلالها 128 شخصًا على الأقل.
ويقول بوزويل لفرانس برس “قوات الدعم السريع استمرت في النمو منذ 2019″، ما يجعل تخلي حميدتي عن السلطة أمرا مستبعدا إلى حد بعيد.
– ماذا بعد؟ –
يرى بوزويل أن ما يحدث هو “صراع وجودي على السلطة من الجانبين”، بينما تستبعد خير أن “يجلسا على طاولة المفاوضات من دون أن يتكبّد أحدهما أو كلاهما خسائر فادحة”.
وتضيف خير أنه كلما طالت المعركة في شوارع المدن، سيرتفع عدد القتلى المدنيين وستتراكم الخسائر المادية وسيخسران كذلك شعبيتهما، لأن السودانيين لن ينسوا حرب الشوارع وقتلاهم المدنيين.
وللصمود في المعركة، أمّن أحد الطرفين على الأقل قنوات للامداد وهو معسكر حميدتي، بحسب المحللين.
فمعقله في دارفور متاخم لحدود تشاد حيث يملك حميدتي علاقات يمكنه من خلالها الحصول على اسلحة وذخائر “عبر منطقة الساحل الغارقة في الاسلحة والذخائر منذ سقوط معمر القذافي في ليبيا، بحسب ما قال لفرانس برس إريك ريفز من مركز “ريفت فالي انستيتيوت”.
ويقول بوزويل “المعسكران قويان والحرب بينهما ستكون مكلفة جدا ودامية وطويلة”، موضحا أنه حتى إذا حقّق أيّ من الطرفين انتصارا جزئيا في الخرطوم “ستستمر الحرب في سائر أنحاء البلاد”، وهذا سيقسم السودان إلى معاقل متنافسة.
ويضيف “نحن بالفعل نشهد أسوأ السيناريوهات والوضع يتجه نحو أحداث أكثر مأساوية” مع تداعيات محتملة على المنطقة بأسرها