
خاص لـ «أرثوذكس نيوز»
نستكمل بنعمة الرب الجزء الثاني من أثر ثمار الروح القدس على نجاح اتجاه ممارسة الدبلوماسية الروحية في الخدمة لخلاص النفس البشرية، فقد أشرنا العدد الماضي إلى ثلاثة ثمار: (المحبة، والفرح، والسلام).
(٤) طول الأناة:
طول الأناة توصف بأنها طول الروح، وطول البال، وسعة الصدر، والحلم، والصبر، وأنت كسفير للمسيح، حاول أن تكتسب هذه السمة، فلولا طول الأناة، علينا لهلكنا جميعا وطول أناته تنبع من عمق رحمته وحنانه، (طويل الروح كثير الرحمة مز١٠٣).
ويقول القديس بطرس الرسول «احسبوا أناة ربنا خلاصاً» (٢بط 15:3). ولنتذكر طول أناة الله على:
أهل نينوى/ فرعون/ وعلى الشعب في البرية، الشعب صلب الرقبة، مقاوم، معاند، كثير التذمر، وكثير التقلب، وشاول الطرسوسي، الذي كان مضطهداً، ومفترياً، وأصبح بعد ذلك من طول أناة الله عليه إناء مختار له (أع15:9)، ورسولاً للأمم، وتعب أكثر من جميع الرسل في خدمة الله (١كو 10:15). وقصة تلك التينة التي ظلت ثلاث سنوات في الكرم دون أن تنتج، وجاءت فكرة قطعها، بدلا من أن تبطل الأرض، ولكن قيل: «أتركها هذه السنة أيضاً، حتى أنقب حولها ووضع زبلاً، فإن صنعت ثمراً وإلا ففيما بعد نقطعها» (لو ١٣: ٦-٩).
ومن أمثلة طول أناة الله معاملته لأهل السامرة، تلك القرية التي أغلقت أبوابها في وجهه، لأن وجهه كان موجها نحو اورشليم، فقال له تلميذاه يعقوب ويوحنا أتشاء أن تنزل نار من السماء، أما طول أناة الرب على السامرة، فلم تفعل هذا، بل انتظر تلميذيه قائلا: لستما تعلمان من أي روح أنتما، لأن إبن الإنسان لم يأتي ليهلك أنفس الناس، بل ليخلص (لو٩: ٥٢-٥٦). ولنتذكر جاء الوقت الذي خلصت فيه مدينة السامرة، وتعمدت وقبلت الروح القدس(أع ٨: ١٤-١٧)!!
وأطال الله أناته على كثير من الخطاة مثل أوغسطينوس، الذي صار بعد ذلك أسقفاً، وأحد معلمي الكنيسة الكبار، وموسى الأسود، الذى صار من كبار آباء الرهبنة، ومريم القبطية توحدت وصارت من السواح !! ترى لو لم يطل الله أناته على كل هؤلاء، أما كانت نفوسهم تهلك؟! وتخسر الكنيسة كل بركاتهم.
ولنتذكر كيف أطال الله أناته على روسيا البلشفية، حتى عاد أكثر من مائة مليون إلى الإيمان، وكذلك رومانيا، وكثير من بلاد الاتحاد السوفيتى، فآمن كل هؤلاء، وفرحوا فى الرب.
هذه بعض النماذج عن طول الأناة عند الله، ومادمنا قد خلقنا على صورة الله كشبهه ومثاله(تك ١: ٢٦-٢٧) فلنسلك بطول أناته التي تؤدي إلى الخلاص وهو هدفنا من كل خدمتنا.
إذن ينبغي أن نكون شبهه في طول الأناة لأن الكتاب يقول «بالكيل الذى به تكيلون يكال لكم» (مت 2:7).
طول أناتنا في التعامل مع الجميع مهما كلفنا ذلك من الاحتمال، (المسيح احتمل طباع القديس بطرس عند قطع أذن عبد رئيس الكهنة (يو 10:18)، ولكن بحزم وتوجيه أبوي «رد سيفك إلى غمده، لأن الذين يأخذون بالسيف، بالسيف يهلكون (مت 52:26). لأن بطرس لم يستطع أن يقاوم (طبع الاندفاع) الذي كان عنده، واحتاج إلى طول أناة من الرب أن يحتمل حتى وقت غسل الأرجل (يو١٣: ٦-١٠).
لذلك يقول الكتاب «ليكن كل إنسان مسرعاً في الاستماع، مبطئاً في الغضب»،
هذا الإبطاء يعني طول الأناة في الاستماع إلى الناس، وإعطاء فرصة للعقل أن يتدبر الأمر في حكمة، ويهدي نفسه فلا يخطئ، وينبهنا داود النبي في ذلك «لا يحاكم إلى الأبد، ولا يحقد إلى الدهر، لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازي حسب آثامنا، لأنه يعرف جبلتنا، يذكر إننا تراب نحن» (مز ١٠٣: ٩-١٤).. لعلنا أيضا نعامل بعضنا بعضا بنفس الأسلوب، بطول الاناة، وأن نراعي ضعف بشريتنا.!!
وقد ترك هذا الأمر تأثيره في القديس يوحنا ذهبي الفم، فقال: إن كان الجنين يأخذ فترة حتى ينمو جسمياً، فكم بالأولى الإنسان لينمو روحياً، يحتاج بلا شك إلى زمن، وطول أناة.
وكما قال بولس لتلميذه تيموثاوس «عظ بكل أناة وتعليم» (٢تى 2:4)، والسيد المسيح نفسه له المجد، وبخ الكنيسة والفريسيين «لأنهم يحزمون أحمالاً ثقيلة عثرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس» (مت 4:23)، لذلك فالمستويات العالية من التعليم، لا تعطى لكل أحد، وإنما التدرج والأناة في التعليم، هو الذي يأتي بنتيجة»، شجعوا صغار النفوس، اسندوا الضعفاء، تأنوا على الجميع (١تس 14:5)، ولا تقسوا عليهم، أو ننتظرهم بشدة إنما نصبر عليهم بطول الأناة، إن الدجاجة تلزمها فترة تحتضن فيها البيض، حتى ينضج وتخرج فراخها» انتظرت الرب من محرس الصبح حتى الليل (مز ١٣٠: ٦-٧).
لذلك، وحتى نتجنب مصادر عدم طول الأناة مثل: القلق، والضجر، والانزعاج، والاندفاع، والتسرع، الإعتماد على ذراع بشري، والحكمة البشرية الخاطئة.
والعجيب أن الطرق البشرية قد تأتي بنتائج سريعة، ولكنها قد تكون ليست حسب مشيئة الله، التى قد تتأخر، ولكن في حكمة، وبركة، ومنفعة، فطرق الله هادئة وتسير خطوة خطوة، حتى تصل بسلام.
حقا يارب أرنا رحمتك وإعطنا خلاصك ، وكما يقول لنا بولس الرسول «أسألكم أنا الأسير في الرب أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتم إليها (بطول أناة).