
ايبوذياكون جرجس ميخائيل
ان الطريق الى السماء ليس سهلا، فقد قال الرب ان الطريق كرب وضيق. مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ!” (مت 7: 14). وهذا الطريق لابد فى وقت من الاوقات وان يعبر بالبرية القاحلة حيث “تذل وتجرب”!
هل وصلت الى المذلة، نعم بل وأكثر، ان الايمان ولابد له ان يختبر ويجرب والا يكون ايمانا نظريا هشا، لكنه فى البرية يجرب ويختبر، بضيقات والام وامراض، بنوء وعواصف، بسفينة حياة تكاد ان تغرق!
بعوز واحتياج وقلة موارد، بظلم، واضطهاد، طرد من اعمال واماكن! نستغرب كثيرا ونقف ونتساءل اين انت يارب؟ لماذا تقف بعيدا؟ انها مرحلة التخلي التى يشعر الانسان انه وحده، وانه قد نسى من الله، كما يقول داود: إِلَى مَتَى يَا رَبُّ تَنْسَانِي كُلَّ النِّسْيَانِ؟ إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟” (مز 13: 1).
وأحيانا يشعر ان الله يقف ضده، اى مقابله فيغلق كل الابواب، اذ يقول ايوب فى تجربته: لأن سهام القدير في وحمتها شاربة روحي. أهوال الله مصطفة ضدي (اى ٦: ٤). ويقول الرسول بولس عن اختبار الايمان وعمل كل انسان فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِرًا لأَنَّ الْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ، وَسَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ. إِنْ بَقِيَ عَمَلُ أَحَدٍ قَدْ بَنَاهُ عَلَيْهِ فَسَيَأْخُذُ أُجْرَةً. إِنِ احْتَرَقَ عَمَلُ أَحَدٍ فَسَيَخْسَرُ، وَأَمَّا هُوَ فَسَيَخْلُصُ، وَلكِنْ كَمَا بِنَارٍ.
اى ان نار التجارب، سوف يأتى وقت وتمتحن، اعمالنا وايماننا، هل هو ضعيف، او قليل، كما قال الرب للتلاميذ، ام انه ايمان قوى، يقدر ويقوى ان يسير فى وادي ظل الموت، بلا خوف بل بثبات واستناد وتسليم على ربنا يسوع الذى قال: لُحَيْظَةً تَرَكْتُكِ، وَبِمَرَاحِمَ عَظِيمَةٍ سَأَجْمَعُكِ.” (إش 54: 7).
اى ان صورة تركه لنا او تخليه كما نعتقد، كان تدبيرا إلهيا حكيما، وان كل معاناتنا التى عانيناها، وكل احساس ب “المذلة” و “التجربة” الثقيلة هي طريقة الله للتمحيص وتنقية الايمان، هى جزء من خطة الله لإعدادنا للسماء الذي لا يدخلها الا الكاملين.
فالنار تحرق الغرور والحسد والكبرياء والتعالي، الكره والبغضة وضعف الايمان، وكل التشوهات والادواء الروحية التى زرعت فينا كزوان، والمسيح كطبيب للنفس والروح قبل ان يكون طبيبا للجسد، يعرف طرق البرية فقد خبرها وتجرب حتى من ابليس، وانتصر قبلا عنا، وسوف ينتصر بنا ولنا من اهوائنا ورغباتنا، فقد لنثق فى محبته وحكمته غير المحدودة، ولنسلم أنفسنا حتى يستأصل الداء، فيغمرنا بفيض الايمان الى هو عطية وثمرة حلوة لروحه القدوس. وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ، وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ.” (مز 37: 6). فهو الصخرة التى تفجرت شرابا روحيا فى البرية وهو المن السماوى الذي يعطى جسده لمن يؤمن به فيثبت فى الكرمة الحقيقية فيكون له حياة فى المسيح الى الابد. فهو ايضا قد جاز المعاناة والترك والذل، صليبا لا ليتبرر، بل ليبرر الفاجرين، ليكونوا كاملين كما هو.
وَتَتَذَكَّرُ كُلَّ الطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا سَارَ بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هذِهِ الأَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْقَفْرِ، لِكَيْ يُذِلَّكَ وَيُجَرِّبَكَ لِيَعْرِفَ مَا فِي قَلْبِكَ: أَتَحْفَظُ وَصَايَاهُ أَمْ لاَ؟ (تث٨ : ٢).
وعندها يشهد السماء والارض على صدق وقوة ايمانك. فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ تَعَجَّبَ، وَقَالَ لِلَّذِينَ يَتْبَعُونَ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَانًا بِمِقْدَارِ هذَا!” (مت 8: 10). حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ.” (مت 15: 28).