
مقدمة:
تلعب هذه الحيوانات الثلاثة دورا هاما في حياة المصريين وغيرهم من بداية الزمان وقد تمتعت برؤيتها في بلاد مختلفة وتحت ظروف متباينة في رحلاتي حول العالم.
الحصان: كنا أحيانا نسميه في مصر الخيل ومن هنا جاء تعبير سباق الخيل وكنت أرى الخيل في بني سويف من بلكونة منزلي يجر عربة مسطحة كبيرة لبيع البطيخ لقوته على جر عربات ثقيلة الوزن. وكذلك كان استعراض العروسة قبل الزواج إذ تجر الفرسان عربات كبيرة عليها أثاث فخم وأدوات مطبخ غالية أثناء الحرب العالمية الثانية (1940 – 1945) وكأنها إعلان عن إغتناء العروسين.
لكن الأكثر أهمية هي العربية الحنطور التي يجرها الحصان والتي كانت الوسيلة المعروفة لإنتقال الناس من مكان لآخر في المدينة قبل تواجد التاكسي بكثرة. ولما كانت المدينة صغيرة كنا نمشي في معظم الأوقات. وأتذكر ركوب العربية الحنطور عندما كانت عائلتي تسافر للقاهرة لقضاء فصل الصيف إذ يصعب حمل الشنط العديدة والثقيلة حتى محطة القطار أو الأتوبيس. وفي يوم عيد إتفق بعض أطفال الشارع أن نشترك في تأجير عربية حنطور تلف بنا المدينة وكأننا من ذوي الجاه الأغنياء.
وبين الحين والحين يقوم نادي المدينة باستعراض للأحصنة على صوت الموسيقى يلف في شوارع المدينة وفيه ترقص الأحصنة في منظر جميل.
وطبعا كانت كثير من نتائج الحروب في العصور القديمة تتوقف جزئيا على قوة وسرعة الأحصنة التي تجر المركبات الحربية والمذكورة في سفر الخروج عندما غرقت مركبات فرعون كما نرنم في صلوات كيهك. وقد أدخل الأسبان الحصان إلى أمريكا بعد إكتشافها لأمريكا ومع مرور الوقت ولتواجد أرض واسعة وغذاء متوفر زاد جدا عدد الأحصنة البرية. وفي إحدى رحلاتي في أريزونا بعد سماع قصة تغلب الأوروبيين على الهنود الحمر أعطونا فرصة لنركب حصان ونلبس رداء طويل ونمسك بندقية. وأثناء عملي كطبيب للأطفال المعاقين كنا نحدد لهم برامج يركبون فيه الخيل وكم كانت فرحتهم وهم على ظهر حصان والمدرب يسير بجوارهم.
ويوجد حتى الآن أماكن سكنية يسمحون فيها بتواجد الأحصنة كما تقام إستعراضات وسباق للخيل في كثير من المدن حول العالم.
الحمار: كانت معظم عربات بيع الخضروات والفواكه في بني سويف يجرها حمير وهي أرخص من الخيل وأغبى ولهذا لا تعارض في عمل أي شيء يدفعها صاحبها للقيام به. ومن أطرف الأمور أن محل لطحن البن كان يستعمل حمارا يلف حول المطحنة مئات المرات. وكنت أشفق عليه وأنا أنتظر تكملة الطحن، لكن عام 1945 استطاع صاحب المحل شراء موتور كهربائي لطحن البن، وهكذا تقاعد الحمار عن عمله.
وكانت الحمير مهمة في حمل البضائع الخفيفة مثل البرسيم واللبن على جانبيه بينما يقوده البائع حيث يمر في الحارات والشوارع الضيقة للبيع إذ كان كثير من النساء لا يتركون أطفالهم للذهاب للسوق.
وفي أحد المرات رأينا فلاح يجر حمارا بلا بضائع فسألناه إذا كان ممكنا أن نأخذ صورة راكبين الحمار بجوار نهر النيل للذكرى. فقال تدفعوا 5 قروش ونأخذ كل واحد صورة. وكان المبلغ كبيرا بالنسبة لنا فأخذنا نحن الخمسة صورة واحدة بقرش صاغ واحد مع الحمار الغلبان إذ ركب عليه إثنين ووقف بجواره ثلاثة.

تزاوج الحمار والحصان: يتشابه الحصان والحمار في معظم كروموزومات الخلايا، لكن للحصان 64 كروموزوم وللحمار 62. وعليه لو تزاوج حمار ذكر Jack مع حصان أنثى mare نتج عن ذلك بغل Mule لديه 63 كروموزوم، وبالعكس لو كان الحمار أنثى والحصان ذكر ينتج عن هذا مهر أو hinny الذي يشبه حصان صغير والذي يستمتع الأطفال بركوبه لأنه صغير وبطئ.
ونظرا لأن عدد الكروموزومات أحادي (63) فمن شبه المستحيل أن يتناسل الحيوان المهجن، ويقال أن الحيوان يرث حجم أمه وذكاء أبيه ولهذا يكون البغل قويا وغبيا ويجعله صالحا للقيام بأعمال صعبة بدون إحتجاج.

الجمل: توجد الجمال في الشرق الأوسط والصحارى بكثرة ولها أهمية إذ أنها تستطيع قضاء أياما طويلة بدون شرب ماء وكذلك لها أقدام تناسب السير في رمال الصحراء. وكنت أرى الجمال تقوم بكثير من الأعمال التي يقوم بها الحمار أو الحصان. وكنت أرى في بني سويف قبل موسم الحج الجمال تسير في الشوارع حاملة الكسوة من القماش الذي تبرع به الناس والذي يرسلونه للقاهرة ومن هناك إلى مكة كهدية لغطاء الكعبة.
وكان الأمريكان يسألونني عند حضوري لأمريكا من 60 عام عن خبرتي في ركوب الجمل والذي لم أكن قد ركبته قط. ولهذا فعند أول سفر لي لمصر عام 1968 حرصت على أن أركب جملا وعليه أخذني أخي المرحوم ناجي لزيارة الأهرام وركوب الجمل. وتصبحوا على خير.
