
لقداسة المتنيح البابا شنودة الثالث
هل من الصالح السرعة في العمل أم البطء فيه؟ هل نبت في الأمر بسرعة أم نتأنى ونتروى؟
لاشك أن كثيراً من الأمور لا يمكن أن تقبل التباطؤ. وقد يكون البطء فيها مجالاً للخطر والخطأ. ويحسن فيها البت السريع.
أمور لا تقبل التباطؤ
مثلا التباطؤ في معالجة بعض الأمراض الجسدية، قد ينقلها إلى مراحل من الخطر يصعب فيها العلاج أو يستحيل.. وبالمثل التباطؤ في تقويم الطفل أو الشاب يقود إلى إفساده.
كذلك لا يصح أن يتباطأ إنسان في التوبة. لأن كل وقت يمر عليه وهو في الخطية يزيد من استعبادها له، فيتحول الخطأ إلى عادة، وقد تتحول العادة إلى طبع، وحينئذ قد يحاول الخاطئ أن ينحل من رباط خطيئته أو شهوته فلا يستطيع، أو قد يستطيع بنعمة الله أن ينحل من هذه الرباطات بعد مدة، ولكن بمرارة وصعوبة، وبعد جهاد مميت. كل ذلك لأنه تباطأ في توبته وفي معالجة أخطائه.
هناك إذاً مواقف تحتاج إلى بت سريع وإلى حزم، قبل أن تتطور إلى أسوأ. وبعض التصرف السريع قد يكون مؤلماً، ولكن يكون لازماً بقدر ما يكون سريعاً وحاسماً. وهناك علاقات ضارة وصداقات معثرة، ينبغي أن تؤخذ من أولها بحزم. كما قد توجد اتجاهات فكرية مخربة، أو اتجاهات سلوكية منحرفة، إن لم يسرع الإنسان في التخلص منها، فقد يقاسي من هذا التباطؤ.
ومن الناحية الأخرى هناك مواقف عكسية كثيرة تحتاج إلى التأني، ويتلفها الإسراع أو الإندفاع.
متى يصلح التباطؤ إذن؟
يعجبني قول الكتاب: «ليكن كل إنسان مسرعاً في الاستماع، مبطئا في التكلم، مبطئا في الغضب. لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله» (يع1: 20،19). نعم إن التباطؤ في الغضب فضيلة كبيرة. فإن الإنسان سريع الغضب، قد يصل به الغضب إلى الاندفاع. وفي إندفاعه قد يفقد سيطرته على أعصابه، أو قد يفقد سيطرته على لسانه، ويقع في أخطاء كثيرة.
لذلك احذر من أن تأخذ قراراً حاسماً في ساعة غضبك. لئلا تضر نفسك أو تضر غيرك. إنما حاول أن تهدئ نفسك أولاً، ثم بعد ذلك فكر وأنت في حالة هدوء، فإن القرارات السريعة التي تصدر في حالة غضب، تكون غالبيتها عرضة للخطأ.
أما إذا قرر إنسان شيئا بسرعة، فلا مانع من أن يرجع في قراره.
احذر أيضا من أن تكتب رسالة إلى غيرك في ساعة غضب. لأنك ستندم على ما كتبته، ويؤخذ وثيقة ضدك. فإن لم تستطع أن تقاوم نفسك وكتبت مثل هذه الرسالة، فنصيحتي لك أن تتباطئ في إرسالها. اتركها على مكتبك يومين أو ثلاثة، ثم عاود قراءتها مرة أخرى، فستجد أنها تحتاج إلى تعديل وتغيير، أو قد تجد أنك قد استغنيت عنها ولم تعد تتحمس لإرسالها.
إن التباطؤ في الغضب قد يصرفه. كذلك البطء في التكلم نافع ومفيد. استمع كثيراً قبل أن تتكلم، حاول أن تفهم غيرك، أو أن تلم بالموضوع إلماماً كاملاً. وأعط نفسك فرصة للتفكير ولمعرفة ما ينبغي أن تقوله. حينئذ يكون كلامك عن دراسة وبهدوء فلا تخطئ. إن الكلمة الخاطئة التي تقولها، لا تستطيع أن تسترجعها مرة أخرى، فقد تسجلت وحُسبت عليك.