
بقلم: لطيف شاكر
خاص لـ أرثوذكس نيوز
صفحة من تاريخ القبط
ولم يكن من الممكن أن ندرك كل الحقائق والحكايا المصرية لولا حرص المصري القديم على أن يترك لنا كل هذا في كتاباته التي حفظتها لنا نقوش جدران المعابد والشواهد الحجرية وأيضا الفخاريات التي تعرف باسم “الأوستراكا” ولفائف “الكتان” الذي يغلف المومياء وتوابيت المومياوات الخشبية وفوق كل هذا ورق البردي.
فلقد كانت الكتابة بالنسبة للمصري القديم مثل “الحياة” ولهذا أعطى الورق والحروف قدسيه وإحترام كبير فلقد أدرك منذ البدايه أن الكتابة وحدها هي التي تبقى رغم الموت.
ووصف الحروف التي نراها في كثير من الأحيان تأخذ شكل الطيور بأنها ليست فقط أشكال تعبر عن مجرد كلمات بل أن شكل الطيور يليق بقوتها فالطيور وحدها هي القادرة على التحليق عاليا في السماء لكي تكون الرسول بين معرفة الأرض والسماء.
وتحكي الأسطورة المصرية بأن “تحوت” كان وراء إختراع الحروف ولهذا يلقب بأبي العلم وحامي المفكرين والكتاب وهو أيضا صديق الحق والنظام و الناطق مع سيدة العدالة “ماعت” بالحكم عند الحساب، وهو أيضا صديق الأب الأكبر “رع” فإذا غابت شمس “رع” كان تحوت “القمر” يأخذ مكانها في السماء حتى يستمر الضياء والنور في حياتنا.
وهو الذي أعاد لحورس “عينه” التي فقدها أثناء صراعه مع عمه “ست” الذي قتل أبيه “أوزوريس” غدرا وكان لابد للعلم أن يتدخل في صورة “تحوت” الرمزية لكي يدرك البشر بأن الحقوق لا تستعاد بالإنتقام المباشر مهما كانت طبيعة وقدر هذا الشر أو لمجرد أن الإنسان صاحب حق وإنما يكتب الإنتصار لمن يملك العلم ويجعل عينه تملك فوق “البصر” أو الرؤية المباشرة حكمة الرؤية الداخلية التي تعرف باسم “البصيرة”.
وأرتبطت “سيشات” دائما بـ “تحوت” وأطلق المصري القديم عليها لقب “ربة الكتابة والمكتبات” ومن الممكن التعرف عليها من تاجها المميز الذي يأخذ شكل “النجمة السباعية” وردائها الخاص الذي يشبه رداء الكهنة فلقد كانت بالفعل كاهنة محراب الكتب.
وترى “سيشات” كثيراً وهي تمسك في يدها “بسعفة النخل” التي تعني بأن الكتابة هي الطريق الحقيقي للبقاء والخلود لدرجة جعلت المصري يقول “يعود الأمس لنا عندما نكتب”.
وأهتم المصريون كثيراً بدقة وجمال الحروف وتنسيقها وهو ما يعرف بـ “فن الخطوط”، وبالطبع لم يكن من المتوقع لكل كاتب أن يعرف جيدا فن الرسم والتصوير أو إتقان هذا الفن ولهذا أدرك المصريون مع نهاية الدولة القديمة بالحاجة الشديدة لتطوير الحروف الهيروغليفية وتبسيطها وهو أمر يشبه ما حدث في تحويل “الخط النسخ”إلى “خط الرقعة” في اللغة العربية، ومعظم البرديات قد كتبت بهذا الخط الذي يعرف باسم “الهيراطيقية” وأستمر العمل به حتى أواخر الدولة الحديثة وتطورت اللغة أكثر وأكثر حتى أخذت شكل يشبه “العامية” أطلق عليها اسم اللغة الشعبية أو “الديموطيقية” لأنها نبعت من إيمان المصري “بديموقراطية الكتابة واللغة” وضرورة تطويع اللغة كي تعبر عن وجدان أي مصري وكل مصري.
وجاءت الكتابة باللغة القبطية بعد ذلك وهي تعتبر تطورا آخر في اللغة المصرية القديمة وأن اختلفت في بعض الأمور عن اللغة الأصلية بعدما أدخل عليها بعض الحروف اليونانية، والكثير من الأدبيات المصرية القديمة في المراحل المتأخرة في التاريخ المصري القديم مكتوب بالقبطية واليونانية بعد دخول اليونان مصر وإعتناق شعب مصر للديانة المسيحية.
ولم يكن في إمكان المصري القديم بالطبع الكتابة بدون ورق ولهذا كان إختراعهم لورق البردي يوازي في أهميته إختراعهم للحروف الهيروغليفية، هذا الورق الذي يصنع من لب ساق نبات البردي، والبردي هو أول ورق في التاريخ حتى كلمه “بابر” Paper التي تعني ورق بالإنجليزية تستمد أصلها من كلمه “بابيرس” ومعناها البردي.
وكانت ورقة البردية تستخدم كما هي أو تلصق الواحدة مع الأخرى حتى تتكون البردية الطويلة التي تلف بعد ذلك وكأنها كتاب وتسمى “لفيفة البردي”، ومن المشكلات التي واجهت المصري القديم في صناعة أول كتب التاريخ هو صعوبة ترقيم ورق البردي لضمان تتابع المعرفة وتسلسل النص، والترقيم الذي نراه الآن على البرديات هو ترقيم حديث وضع في عصرنا الحالي بواسطة علماء المصريات الذين قاموا باكتشاف هذه البرديات وترجمتها.
وكان الكاتب يستخدم في الكتابة قلما مدببا من البوص يأخذ شكل الريشة (قلم ريشة) ويستخدم لونين أساسين في الكتابة الحبر الأسود للكتابة العادية أما الأحمر لكتابه العناوين أو توضيح أجزاء هامه في النص، وعندما ينتهي الكاتب من كتابه البردية كانت تحفظ في حقيبة من الجلد أو في صندوق خشبي. وتحفظ بعد ذلك في المكتبة الملحقة بـ “بيت الحياة” أو “بير-عنخ”.
وكان في مصر القديمة الكثير من هذه المكتبات وكان “بيت الحياة” بمثابة قلعه ثقافية يعيش فيها الكهنة والأدباء والمفكرين والأطباء وكان الكاتب يسمى بـ “كاتب بيت الحياة”، ومن أهم هذه المكتبات والقلاع الثقافية ما عثر عليه في منطقة “سقارة” وأيضا في “الأشمونين” في ملوي بمحافظة المنيا حيث تقع مدينة تعرف باسم “مدينة تحوت” أو “الهيرموبولس” أو “مدينة هرمز”كما أطلق عليها اليونانيون، فهرمز هو المرادف لتحوت في الحضارة اليونانية القديمة وكانت الهيرموبولس أو الأشمونين تعتبر عاصمة ثقافية لمصر وكانت تتمتع بأهمية كبرى في هذا الزمن الماضي.
ولقد عثر أيضا على مكتبة شهيرة في نجع حمادي كانت تحوي مخطوطات فلسفية هامة تعرف باسم “مخطوطات نجع حمادى”.
ولا شك أن أهم وأشهر هذه المكتبات القديمة هي «مكتبة الأسكندرية القديمة» التي كان يطلق عليها اسم قلعة الفكر والخيال وكان يقع بالقرب منها قصر “الموزاي – الموسيوم” أو عرائس الفن – الشعر، التاريخ، الكوميديا، التراجيديا، الخطابة، الموسيقى والرقص والذي يعرف أيضا بمجمع العلوم والفنون.
ويرجع تأسيس مكتبة الأسكندرية إلى بداية القرن الثالث ق.م أثناء حكم البطالمة وبالتحديد “بطلميوس الأول” وكان عدد الكتب في هذه المكتبة يزيد عن نصف مليون كتاب وكانت وظيفة أمين المكتبة من أهم وأعظم المراكز التي يتسابق للحصول عليها الناس.
ولم تكن المكتبة مجرد مكتبة فقط بل كانت جامعة عظيمة تضم علماء وفلاسفة هذا العصر الذين تتلمذ على أيديهم علماء وفلاسفه آخرون وكان يعيش في هذه الجامعة الأساتذة والطلاب معا كما هو الحال في الجامعات الكبرى في بريطانيا الآن مثل جامعتى أكسفورد وكمبريدج.
وللأسف تعرضت هذه المكتبة القديمة لحريق مدمر في عام 48 ق.م نتيجه الحرب التى دارت بين البطالمه في مصر وجيوش روما ثم توالت الحرائق، وسنفرد موضوع خاص عن حرق مكتبة الاسكندرية.
وربما تعتبر “كليوباترا” أشهر السيدات التي حكمت مصر وآخر ملوك العصر البطلمي الذي أنتهى بدخول الرومان مصر.
ووصفت كليوباترا بأنها أجمل إمرأه في العالم ولكن في الحقيقة لم يكن جمالها جمال الوجه بقدر ما كان جمال الشخصية فلقد عرفت بذكاءها النادر وعلمها الوفير وكانت قادرة على التحدث بلغات كثيرة تصل إلى عشر لغات منها المصرية القديمة واليونانية والعبرية والعربية وغيرها وكانت تتحدث كل هذه اللغات بلباقة تدعو إلى الإعجاب الشديد فلقد وهبها الله نعمة اللسان فكانت عذبة الصوت والحديث ساحرة في قدرتها على جذب الجميع.
ولقبت كليوباترا أيضا بـ “عاشقة الكتب” وندرك هذا من صورها القليلة التي تشبهت فيها بربة المكتبات «سيشات» لدرجة أنها أنشأت لنفسها مكتبة خاصة في منطقه “عمود السواري” بالأسكندرية غير مكتبة الأسكندرية “الأم” وكانت هذه المكتبة الصغيرة تعرف بالمكتبة “الأبنة” وتضم حوالي ربع مليون كتاب.